من لحظة اكتشافها عام 1820 ودايماً ما أسرت منطقة القطب الجنوبي خيال العالم أجمع، وباعتباره اخر المواقع البرية غير المستشكفة في العالم، فالقارة الجنوبية دايماً ما اكتنفها الغموض وحاوطتها الأسرار والعجائب، البيئة القاسية ودرجات الحرارة المتجمدة بخلاف مساحتها المهولة اللي بتوصل لـ 14 مليون و200 ألف كم مربع، كلها عوامل بتخليها أقرب لصندوق من الأسرار مالوش مفتاح، وبالرغم من الصعوبات اللا نهائية، إلا ان فضول العالم عن ما ورا الجدار الجليدي بالقطب الجنوبي وفر القفزة الكافية لتخطيه والبحث عن كنوزه وأسراره.
سلسلة جبلية.. تحت الجليد
من أغرب الاكتشافات اللي توصلها العلماء خلف الجدار الجليدي بالقطب الجنوبي، عبارة عن سلسلة جبلية، هتقولي وايه يعني الغريب في كده، عادي يعني جبال وموجودة قدام عنيهم، مش محتاجة اكتشاف أصلاً، بس السلسلة الجبلية اللي تم اكتشافها مش موجودة فوق الأرض، ده مختفية بالكامل تحت الجليد.
السلسلة المعروفة باسم “جامبرتسيف Gamburtsev ” نسبةً للعالم السوفيتي اللي اكتشفها عام 1958، مختفية بالكامل تحت 600 متر من الثلج والجليد، تم اكتشافها بالصدفة البحتة بعد ملاحظة العلماء لوجود طبقة رفيعة من الجليد في الجزء الشرقي من القطب الجنوبي، بمنطقة المفترض ان سُمك الجليد فيها بيتخطى الـ 3 كم، وبعد المعاينة باستخدام أجهزة الماسحات، اتضح ان السلسلة الجبلية ممتدة لمسافة 1200 وبيوصل ارتفاعها لـ 3000 متر وكل ده بعيد عن العيون تحت الجليد نفسه.
جبل إريبس البركاني Erebus
بالرغم من البرودة القارصة اللي بتتميز بيها القارة القارة القطبية الجنوبية، إلا إنها موطن لعدد من البراكين، منِها براكين نشطة كمان، من أغربها على الإطلاق جبل إريبس البركاني، واللي بيتميز بصهارة سائلة وبحيرات من الحمم البركانية القديمة عماله بتغلي في باطنه من أكتر من 1.3 مليون سنة، وحالياً يعتبر هو أكثر البراكين نشاطاً في القارة القطبية الجنوبية وأقصى البراكين في جنوب الأرض وثاني أعلى براكين القارة بارتفاع يقترب من الـ 3800 متر، لكن أغرب ما يميز البركان مالوش علاقة بأرقامه القياسية، ولكن قذفه لشكل من أشكال الكريستال أو البلور.
بيعتقد العلماء ان البلور ده بينمو في الصهارة بقلب الجبل، وبعدها بيتم قذفه وهو مغلف بقنابل بركانية زجاجية، وسرعان ما يتلاشى الهيكل الزجاجي ويسيب سفح الجبل وهو مغطى بالكريستال العجيبK ولو شايف ان ده حاجة غريبة فالأغرب ان الجبل بيطلع دهب كمان!
ذهب جبل إريبس
الكريستال مش هو الحاجة الوحيدة اللي بتخرج من جبل إريبس، لكن فيه كمان دهب، اكتشف علماء الجيولوجيا ان الجبل بينبعث منه حبيبات بلورية من الذهب المعدني، لكنها مش بالأحجام اللي تخلي الناس تروح هناك وتغتني من وراها، فحجم الذهب ده بيعمل حوالي 0.02 مليميتر، وعلى مدار اليوم بينفث الجبل البركاني في الإجمالي 80 جرام من الذهب اللي بينتشر على سفح الجبل والمنطقة المحيطة بيه، وبالرغم انه معروف عن البراكين بالفعل انبعاث الذهب منها، إلا ان جبل إريبس الوحيد اللي بينبعث منه الذهب في صورة معدنية.
طيب ازاي القصة ده بتحصل؟
الغاز المنبعث من الحمم البركانية في باطن الجبل بيحتوي ضمن عناصره على الذهب، ومع اتصال الغاز ده مع الهواء البارد، بتنزل حرارته بصورة مهولة، يعني بعد ما بيبقى أكتر من ألف درجة مئوية بينزل لأقل من 100 درجة مئوية.، والعملية ده بينتج عنها ترسيب مواد مختلفة من المعادن اللي زي الزنك والنحاس والذهب، وبسبب الإنبعاث البطئ للغاز في جبل إريبس على عكس معظم البراكين الأخرى، فده بيدي الفرصة للجسيمات إنها تنمو وتكبر شوية قبل ما الغاز ينقلهم خارج البركان، تخيل لو كان كم الذهب المنبعث من البركان أكبر من كده، كان بقى عندنا أكوام لا نهائية من الذهب في القطب الجنوبي.
شلالات الدم
في شذوذ عن البياض الساطع المحيط بكل أرجاء القطب الجنوبي، بتظهر في المنطقة الشرقية منه شلالات عجيبة باللون الأحمر معروفة باسم شلالات الدم، الشلالات العجيبة دِه أخدت سنين من وقت العلماء لاكتشاف السر ورا لونها والسر ورا عدم تجمد المياه الخاصة بيها، بالرغم من درجات الحرارة القارصة بالمنطقة.
في الأول اعتقدوا ان الموضوع متعلق بنوع من الطحالب الحمراء اللي بتدي المياه لونها، بس الكلام ده طلع غير صحيح، وبعد مسحهم للمنطقة اكتشفوا وجود شبكة من البحيرات والأنهار الجليدية بتتميز مياها بارتفاع نسب الملح و الحديد فيها، التركيز العالي للملح في مياه البحيرة اللي بتغذي الشلال بيخليها مع تجمدها ينطلق منها طاقة حرارية بتذوب مياه النهر الجليدي فوقيها وتخليه ينساب حتى مع البرودة القارصة، والمياه الغنية بالملح غنية كمان بالحديد وخالية تماماً من الأكسجين، ومع تسربها من خلال شقوق النهر الجليدي وتعرضها للهواء، بيحصل عملية تأكسد للحديد وتبدأ المياه تظهر باللون الأحمر الغامق.
حفر عملاقة
من 4 سنين في منتصف الشتاء بالقطب الجنوبي، التقطت الأقمار الصناعية صور عجيبة داخل القارة المتجمدة، حفرة عملاقة في بحر وِدل Weddell الواقع في محيط القطب الجنوبي حجمها ما حدش شافه قبل كده بالمنطقة من سبعينيات القرن الـ 20، النوع ده من الحفر معروف باسم بولينيا polynya، وهو عبارة عن منطقة من المياه المفتوحة محاطة بالجليد، حاجة كده أشبه بواحد حفر حفرة ضخمة وسط الجليد، بس العجيب هو مدى اتساعها وازاي انها بتقفل مرة تانية لوحدها، وبالرغم ان النوعية ده من الحفر عادةً ما بتظهر بالقرب من الشاطئ، الحفرة ده بتقع على بعد مئات الكيلومترات من الساحل.
تم ملاحظة النوعية ده من الحفر للمرة الأولى في المنطقة عام 1974، وكان حجمها رهيب بالمعنى الحرفي لدرجة انه كان في حجم ولاية أوريجون الأمريكية Oregon ، يعني بتتكلم في أكتر من 250 ألف كم مربع، والعجيب ان الحفرة ده قفلت لوحدها بعد اكتشافها بـسنتين عام 1976، وبعد أكتر من 40 سنة، التقطت الأقمار الصناعية صور لانفتاح صغير عام 2016، لكن بدل ما يقفل، الحفرة استمرت في الاتساع لحد ما وصلت لمساحة تقدر بـ 78 ألف كم مربع، يعني بتتكلم في مساحة تقترب من مساحة ايرلندا، والغريب ان العلماء مش قادرين يحددوا بشكل قاطع السبب ورا ظهور النوعية ده من الحفر، ولا السبب في انغلاقها مرة تانية، وهل الموضوع ليه علاقة مباشرة بالتغير المناخي ولا لأ، لكن مؤخراً ظهرت نظرية بتتكلم عن دور العواصف في ثقب الجليد على المياه.
فمع اصطدام الهواء الدافي والبارد بالقطب الجنوبي، بيتشكل اعصار بتوصل سرعة الرياح الداخلية فيه لـ 117 كم في الساعة، والعملية ده بتدفع الأحزمة الجليدية بعيداً عن بعضها بشكل أشبه بشنيور بيضرب في الجليد وسط المياه، والعملية ده بتسمح للمياه الكثيفة الدافية بالقرب من القاع، انها تطفو على السطح وتاخد وقتها قبل تجمدها بفعل البرودة مرة تانية، ومعاها تقفل الحفرة العملاقة.
صحراء بالقطب الجنوبي!
اخر حاجة ممكن تيجي في بالك فيها وانت بتفكر في ما وراء الجدار الجليدي بالقطب الجنوبي، هي الصحراء.
بس على عكس ما ممكن تتخيل، فالقطب الجنوبي يعتبر صحراء بالفعل، بل انه أكبر صحراء في العالم على الإطلاق، المنطقة هناك جافة جداً وما بتتعرضش لسقوط الأمطار ولا الثلوج إلا بصورة محدودة جداً، حتى ان الثلج المتساقط هناك مش بيدوب، لكنه بيتراكم فوق بعضه وبيكون طبقات سميكة من الجليد أو الصفائح الجليدية، والأمطار هناك بتتساقط في قلب القطب الجنوبي بمعدل أقل من 50 مليميتر سنوياً، وبالتالي فأنت بتتكلم عن صحراء حتى وإن كانت صحراء متجمدة باللون الأبيض.
أصوات الجليد
من أغرب اكتشافات العلماء في القطب الجنوبي هو غناء لوح جليد، أيوه زي ما قرأت كده، أكبر حاجز جليدي في القطب الجنوبي طبقاً للعلماء بيغني.
جرف روس Ross الجليدي هو أكبر حاجز جليدي في المنطقة على الإطلاق، مع سُمك يقدر بـمئات الأمتار ومساحة تزيد عن الـ 500 ألف كم مربع، يعني بتتكلم في مساحة تقترب من دولة فرنساK العلماء اكتشفوا عن طريق أجهزة الاستشعار الزلزالية ان فيه مجموعة من النغمات بتصدر عن الجرف الجليدي ده، والفكرة ان حركة الرياح القوية على الحاجز بينتج عنها اهتزازات سطحية بلا توقف تقريباً، ولاحظ العلماء ان النغمات دِه بتتغير بشكل مستمر حسب الأوضاع البيئية، بمعنى انها بتختلف مع الذوبان أو العواصف أو حركة الثلج، ومن هنا أصبحوا بيستعينوا بالذبذبات أو السيمفونية اللي بتصدر عنه في مراقبة و تتبع وضع الجرف واستنتاج المتغيرات المستمرة في المنطقة.
النيازك
يعتبر القطب الجنوبي منجم دهب للعلماء والباحثين عن دراسة النيازك.
على الرغم ان النيازك ممكن تسقط في أي مكان على سطح الأرض، إلا ان مافيش مكان ممكن تلاقيها بسهولة عليه زي القطب الجنوبي، فــبخلاف انه من السهل رؤية النيازك على الجليد الأبيض، فالظروف المناخية الجافة والبردة بتحافظ على الأجزاء الصخرية في أحسن حال، ولك أن تتخيل انه من سنة 1976 لحد النهاردة، تم جمع أكتر من 20 ألف عينة نيازك من خارج كوكب الأرض في القطب الجنوبي، وفي عام 2013 اكتشف فريق من العلماء اليابانيين والبلجكيين أكبر نيزك تم العثور عليه في شرق القارة القطيبة الجنوبية من أكتر من 25 سنة، وكان وزن النيزك 18 كجم.
ومن ضمن النيازك اللي عثر عليها فريق العلماء كانت قطعة نيزك من المريخ، علماً ان المسافة بينا وبين المريخ في الطبيعي بتوصل في المتوسط لـ 225 مليون كم، وبالرغم ان الأرض والمريخ بيكونوا قريبين من بعض في فترات زمنية مختلفة، إلا ان أقرب مسافة ما بينهم كانت مش قليلة برده ووصلت لـ 56 مليون كم.
مخلوقات عجيبة
لعل أغرب وأعجب اكتشافات ما ورا الجدار الجليدي بالقطب الجنوبي هي الكائنات الحية.
ازاي في البرودة القارصة دِه اللي بتوصل درجات الحرارة فيها أحياناً لأكتر من 80 درجة تحت الصفر تلاقي فيها كائنات حية أنعم الله عليها بقدرات فريدة من نوعها تسمحلها بالحياة في الأجواء ده، بل ان بعضها يموت لو خرج منها كمان.
بخلاف الميكروبات والقشريات والديدان العملاقة، بنلاقي أسماك عجيبة زي الـ icefish أو أسماك الدم البيضاء، واللي تعتبر الفقاريات الوحيدة المعروفة في عالمنا اللي ما عندهاش هيموجلوبين في الدم وبالتالي بتلاقي ان دمها مش أحمر ولكنه شفاف أقرب للون الأبيض.
ضيف على كده ان عندها بروتينات خاصة مضادة للتجمد بتسمحلها تعيش في المحيط الجنوبي في درجات حرارة تحت الصفر، وفيه كمان نوع عجيب من عناكب البحر العملاقة بتتنفس في مياه القطب الجنوبي بدون خياشيم أو رئتين.
العناكب ده ماعندهاش مساحة كبيرة في جسمهم، وأعضائهم التناسلية وأحشائهم موجودين في أرجلهم الطويلة.
العناكب ده ماعندهاش مساحة كبيرة في جسمهم، وأعضائهم التناسلية وأحشائهم موجودين في أرجلهم الطويلة، وعندهم القدرة على امتصاص الاكسجين من خلال جلدهم وبيضخوا الدم في جسمهم عن طريق أمعائهم، وبيقترح العلماء ان الطريق لسه طويل في رحلة اكشاف أسرار وعجائب ما ورا الجدار الجليدي بالقطب الجنوبي.