درجة حرارة سطح الشمس تُقدر بحوالي 5600 درجة مئوية، وكوكب زي عطارد درجة حرارته بتوصل لـ 430 درجة خلال النهار، و180 تحت الصفر خلال الليل في الجانب الآخر من الكوكب، المريخ درجة حرارته 28 تحت الصفر، ونبتون بتوصل درجة حرارته201ـ تحت الصفر، الغريب إن كل الكواكب والأجسام اللي بنتكلم عنها دي بيفصل بينا وبينها مسافات مهولة ومفيش حد من البشر وصل ليها إطلاقًا، يعني مفيش حد مثلاً راح هناك وقاس درجة الحرارة بنفسه، لكن بالرغم من كده قدرنا نعرف درجة حرارتهم، فإزاي قدرنا نعمل ده، وإزاي عرفنا درجة حرارة الشمس والكواكب؟
التلامُس المباشر
هنا على سطح الأرض ممكن نقيس درجة حرارة أي حاجة من خلال “مقياس درجة الحرارة الثرمومتر” أو الترمومتر، وده بسبب فِكرة الاتصال المباشر، ببساطة كده أي جسم سخن أو درجة حرارته مرتفعة لو دخلنا جواه وبصينا على اللي بيحصل، هنلاقي الذرات بتاعته بتتحرك أو بتهتز بسرعة كبيرة جدًا في جميع الإتجاهات، وعلشان كده لو جبنا جسم تاني وقربناه من الجسم الساخن ده، بتبدأ ذراته هو كمان تتحرك بسرعة وبيكتسب نفس درجة الحرارة، والآلية دي هي اللي بنستخدمها في قياس درجة الحرارة من خلال الترمومتر، يعني مثلاً لو عندنا إناء فيه مياه سخنة وحطينا الترمومتر فيه علشان نقيس درجة حرارته، ففي الوقت ده وبسبب التلامس اللي بينهم، بتبدأ طاقة الحركة أو الاهتزاز تنتقل من المياه السخنة إلى الترمومتر، وده بالتابعية بيخلي ذرات الترمومتر تتحرك بسرعة هي كمان، وده بيخلي الترمومتر في النهاية يكتسب نفس درجة حرارة المياه بالظبط، وبالتالي بنقدر نقراها من خلال المؤشر الزئبقي الموجود عليه.
الآلية دي بسيطة جدًا ومافيهاش أي مشكلة، لكنها قايمة بشكل رئيسي على فكرة التلامس المباشر بين الأشياء وبعضها، وعلشان كده مانقدرش نستخدم الآلية دي في إننا نقيس درجة حرارة حاجة بعيدة عننا، يعني لو فيه إناء فيه مياه مغلية وبينا وبينه متر واحد فمستحيل الترمومتر العادي يقدر يقيس درجة حرارته في الحالة دي، وإحنا هنا بنتكلم في متر واحد، فما بالك بقى لو عاوزين نقيس درجة حرارة حاجة زي الشمس، واللي بتبعد عننا حوالي 150 مليون كيلومتر.
الأطياف هي كلمة السر
الحل للمعضلة دي كان بيكمن جوا الأجسام نفسها، الفيزيائيين مع مرور الوقت اكتشفوا حاجة غريبة، أي جسم موجود في الكون حوالينا بجانب إن جزيئاته بتتحرك، فهو كمان بيخرج إشعاع أو طيف كهرومغناطيسي معين يعبر عن درجة حرارته، وعن مَدى حركة الذرات والجزيئات جواه، وده سواء الجسم ده كان سخن أو حتى بارد، أي جسم بوجه عام بيخرج إشعاع أو طيف، بل إن أنت شخصيًا وأنت قاعد بتتفرج علينا دلوقتي، جسمك بيخرج هالة أو طيف من الأشعة تحت حمراء، لكنها بتكون غير مرئية بالنسبة لعيونا البشرية، ونقدر نشوفها أو نتعرف عليها من خلال أجهزة الاستشعار أو كاميرات الـ infrared.
الشاهد في الأمر إن موضوع الأطياف ده كان بالنسبة للفيزيائيين بمثابة الباب اللي هيخليهم يندفعوا بقوة في دراسة الأجسام الموجودة حوالينا في الفضاء الخارجي، وده من غير مانسافر ليهم ولا نقرب منهم حتى، ولكن كل اللي هنعمله هو إننا هنحلل الأطياف أو الإشعاعات الكهرومغناطيسية اللي بتوصلنا منهم، وبناءًا عليه هنقدر نحدد بعض خصائص الأجسام دي بما فيه درجة حرارتهم، وبالفعل مع نهاية القرن الـ 19 الفيزيائيين وضعوا بعض القوانين اللي نقدر من خلالها إننا نحسب درجة حرارة أي جسم، وأحد أشهر القوانين دي هي قانون الفيزيائي الألماني “فلهلم فيين Wilhelm Wien”، واللي بينص على إن درجة حرارة أي جسم بالكلفن بتساوي 2.898 مضروبة في 10 أس سالب 3 على الطول الموجي للطيف أو الضوء اللي بيصدر من الجسم، واللي هي لامدا (λ).
ومن هنا قدر الباحثين إنهم يعرفوا مدى سخونة أي جسم في الفضاء من خلال بس تحليل الضوء أو الأشعة اللي بتوصلنا منه، واتضح إن حتى الألوان المرئية للضوء ممكن نستدل بيها هي كمان بشكل مبدئي على درجة حرارة النجوم، ومش شرط تكون أشعة أو أطياف مخفية، يعني لو النجوم في السما بيطلع منها طيف أو توهج بلون أحمر زي لون الفحم المشتعل فده معناه إن النجم درجة حراراته متواضعة جدًا.
ولو نجم تاني التوهج فيه مائل للون الأصفر زي بعض المعادن، فكده درجة الحرارة أزيد بكتير.
ولما التوهج بيكون باللون الأخضر، درجة الحرارة بتزيد أكتر وأكتر.
وأخيرًا لما التوهج بيكون مائل للأزرق أو البنفسجي، فهنا درجة حرارة النجم بتقدر بالملايين.
كل المعلومات دي الفلكيين بيقدروا يعرفوها من خلال تحليل الطيف المرئي.
ماذا عن الكواكب؟
لحد دلوقتي كل الكلام كان بخصوص النجوم وبس، لكن ياترى إزاي بيتم معرفة درجة حرارة الكواكب، طريقة رصد الأطياف اللي لسه متكلمين عنها يتم تطبيقها أيضًا على الكواكب، لكن فيه بعض العوامل المهمة يجب معرفتها، وأحد العوامل دي هي معرفة المسافة بين الكوكب وبين النجم المُضيف بتاعه، المسافة بين الكوكب وبين النجم اللي بيدور حواليه، بتحدد بشكل مبدئي مقدار الطاقة الحرارية اللي بيستقبلها؛ لأنه لو قريب منه أوي فالطاقة دي بتكون كبيرة جدًا، وكل ما المسافة بعدت كل ما الطاقة الحرارية بتقل تدريجيًا، وزي ما عندنا عُطارد حرارته عالية جدًا لقربه من الشمس، في حين إن نبتون بارد جدًا لبعده عن الشمس، كمان نوع الكوكب والتكوين الداخلي بتاعه بيفرق جدًا، هل هو كوكب ترابي وصلب زي كوكب الأرض والمريخ، ولا هو كوكب غازي زي كوكب المُشترى وزُحل؛ لأن دايمًا التركيب الداخلي للكواكب الغازية بيخليها تكتسب الحرارة أكتر من الكواكب الصخرية.
كمان عوامل تانية زي حجم الكوكب وقطره وكثافته وكتلته الكلية بتأثر هي كمان في المعادلة.
فيه عامل خطير جدًا بيأثر في درجة الحرارة، والعامل ده هو الغلاف الجوي، الغلاف الجوي ممكن يزود من درجة حرارة الكوكب أو يقللها بشكل مهول، وده على حسب تركيبه وكثافته، كوكب عطارد مثلاً مابيمتلكش أي غلاف جوي إطلاقًا، وعلشان كده بيحصل اختلافات غريبة في درجة الحرارة على سطحه وده لأن عطارد خلال النهار بتبقى درجة حرارته حوالي 430 درجة، لكن بمجرد ما ينتقل من النهار إلى الليل ويدور ناحية الجانب المظلم، بيبدأ يفقد فورًا كل الحرارة دي ومابيحتفظش بأي جزء منها؛ وده لأن مفيش غلاف جوي يقدر يحبسها أو يحافظ عليها، وعلشان كده درجة حرارة الكوكب في الليل بتقل جدًا وبتوصل لسالب 180 درجة مئوية، وغرائب الغلاف الجوي ما بتنتهيش لحد كده، إحنا مثلاً من شوية لسه مأكدين على مبدأ إن كل ما الكوكب يبقى قريب من النجم بتاعه كل ما درجة حرارته كانت أكبر، وكل ما كان أبعد درجة الحرارة دي بتقل، الكلام ده نظريًا المفروض يخلي كوكب عطارد هو الكوكب صاحب أعلى درجة حرارة في المجموعة الشمسية، لكن في الواقع الكلام ده مش صحيح، كوكب الزهرة هو اللي في المرتبة الأولى، وده بالرغم من إن الزهرة أبعد عن الشمس من عطارد، وده لأن الفكرة تكمن في إن كوكب الزهرة بيمتلك غلاف جوي كثيف جدًا، وبيتكون من غازات ليها تأثير قوي على الإحتباس الحراري شبه اللي عندنا في كوكب الأرض، ولكن بصورة أكبر، وبالتالي الحرارة بتتخزن على سطح الكوكب وبتتحبس جواه ومابيبقاش ليها أي منفذ وعلشان كده كوكب الزهرة هو أكثر الكواكب سخونة في النظام الشمسي، وبتبلغ درجة حرارته حوالي 471 درجة مئوية تقريبًا.
جهاز كُلنا جربناه
في النهاية لو لسه مش مستوعبين فكرة إنه إزاي نقدر نعرف درجة حرارة أي جسم من خلال تحليل الطيف أو الإشعاعات اللي بتصدر منه، ففي جهاز بقى مشهور جدًا خصوصًا بعد كورونا، الآلية بتاعته مشابهة بالظبط لطريقة قياس درجة حرارة الكواكب والنجوم عن بعد، وهو جهاز فحص درجة الحرارة بدون تلامس، أو الـ “infrared thermometer” واللي إنتشر جدًا في الآونة الأخيرة، وبنشوفه في إيد رجال الأمن في المُستشفيات والمصالح الحكومية، وحتى في المولات والمحلات التجارية، علشان يقيسوا بيه درجة حرارة الأشخاص اللي داخلين المكان.
الجهاز بيتحط قدام جبهة الشخص بدون مايلمسه، وخلال ثواني بيدينا درجة الحرارة بتاعته وده لأن فكرة عمله مبنية على رصد الطيف أو الأشعة تحت الحمراء اللي بتخرج من جسم الإنسان واللي بتعبر عن درجة حرارته.