عمرك حضرت مؤتمر أو ندوة أو أي خطاب لأي شخص، وبعد ما المحاضر انتهى من كلامه لاقيت الناس كلها بما فيهم أنت غالبًا سقفتوا بقوة، لو حصلك تقدر تقولي أنت ليه سقّفت، هتقولي “أنا سقّفت عشان الراجل قال كلام يُحترم بصراحة”، ليه عبرت عن أهمية الكلام اللي قاله المحاضر بإنك سقّفت، يعني ليه مثلاً معبرتش عن ده بأي شئ تاني مثل إنك تدبدب في الأرض برجلك، أو إنك تغمزله وأنت قاعد على الكرسي، اللي نقصده هو ليه كل الناس اتفقت على السقفة للتعبير عن الإعجاب، وليه إحنا بنسقف أساسًا.
إيه هو التسقيف؟
التسقيف أو التصفيق وهو خبط كف اليد اليمين بكف اليد الشمال بشكل متكرر، وهو يعتبر أكثر الأصوات المزعجة جدًا التي يمكن أن يصدرها الإنسان، بتكون صوتها عالي جدًا وبتعمل دوشة وشغَب، ولإن التسقيف يعتبر أداة سهلة جدًا ممكن للإنسان إنّه يستخدمها فهو كمان يعتبر أداة جذب انتباه سهلة ومميزة، تخيل مثلاً لو إحنا قاعدين في أوتوبيس كبير والناس كلها صاحية بدري ومش طايقة نفسها ورايحين على الشغل أو الجامعة، وراح واحد كاحح عادي جدًا ولا كأن حصل حاجة ويمكن ما حدش يبص عليه أساسًا، لكن تخيل بقى لو نفس الشخص راح مسقّف فجأة كدا في وسط الأتوبيس، طبعًا كل الناس هتبص عليه ومش بعيد يعتبروه مجنون كمان، ويا ويله بقى لو طلع بيسقف من غير سبب، أقل حاجة الناس هتعملها يا إما هتبصله بقرف يا إما هيتشتِم، وإن دَل على شئ فإنه يدل على أن التسقيف حاجة مزعجة جدًا.
ليه بنسقف؟
من خلال الكلام السابق تقدر تقول إن السقفة ما هي إلا مجرد صوت عادي مزعج ممكن يصدره الإنسان للفت الانتباه، لكن ليه السقفة تحولت من مجرد صوت مزعج أو تعبير اجتماعي بنستخدمه لإظهار مشاعر مختلفة مثل الحماس والتشجيع والإعجاب، ومن أهم التفسيرات التي تفسر ليه الإنسان بيسقف، هو تفسير قاله عالم الأدب البريطاني Steven Connor، والذي يوضح فيه إنه على المستوى الفسيولوجي والنفسي الدافع للتسقيف يكون فيض من الحماس يتولد داخل الإنسان لأي سبب؛ وكرد فعل فوري للتعبير عن الإثارة وذلك الحماس الإنسان بيسقّف.
هتقول “أيوة برضو ليه التسقيف بالذات”، هقولك إنه مش شرط تسقيف، Connor قال إن عند ملئ الإنسان بالحماس بدرجات عالية جدًا، والحماس دَا بيكون طاقة كبيرة جواه بحيث إن اللغة والتعبير الكلامي ما يقدروش يعبروا عنها، الإنسان بيلجأ إنه يخرج الطاقة دي عن طريق أي حاجة تانية، وعشان تتخيل إيه الحاجات التانية دي، عايزك تقعد تتفرج على ماتش مع حد متعصب في الكورة، وشوف أول ما فريقه يجيب جون هيعمل إيه، هتلاقيه مرة واحدة قام من مكانه وبدأ يعلي صوته ويسقّف بشكل جنوني وبعد ما يخرج دفعه الطاقة دي، يبدأ يهدى ويقول الحمد للّٰه أو أخيرًا أو أي حاجة من اللي بتكون مناسبة للموقف وقتها، وهنا الحماس أثّر فيه وإدى له طاقة مهولة وهو خرج الطاقة دي في صورة تسقيف وحركة عشوائية حتى لو هو ما كانش عايز يسقف من الأساس.
ليه التسقيف بيدل على التشجيع؟
عالم الحيوان”ديسموند موريس Desmond Morris”، المهتم بالسلوك البشري اقترح تفسير لاستخدام التسقيف وتطويعه في مواقف أخرى غير الإثارة والحماس؛ وفي تفسيره بيقول إن التسقيف أحيانًا في مواقف معينة يكون معناه الفعلي هو التشجيع أو الطبطبة، يعني لو ليك واحد صاحبك أنجز أي إنجاز في حياته، أنت هتشجعه وتحضنه أو هتطبطب عليه عشان تظهر له تشجيعك وتدفعه إنه يكمل، ودا في حالة لو صاحبك دا كان واقف جنبك، لكن لو نفس صاحبك واقف على مسرح بعيد عنك وبيحكي عن إنجاز من إنجازاته، مش هتبقى عارف تشجعه بالطريقة الحميمية اللي اتكلمنا عنها، وقتها هتسقّف له وهو هيفهم إنك بتشجعه ومبسوط باللي هو عمله.
التسقيف الإجباري
بجانب أن التسقيف لحد واقف على مسرح بيكون غرضه التشجيع، التسقيف مازال فيه جانب مجهول، يعني لو فيه طفل قاعد في المسرح مش فاهم القصة بتتكلم عن إيه ولا النكت اللي بتتقال معناها إيه ولا أي حاجه، هتلاقيه بيسقف مع الكل، ومش بس الأطفال على فكرة، أنت شخصيًا ممكن تسقّف أثناء العرض لو أحد الممثلين دخل المسرح ولسه ما عملش أي حاجة، أو حتى لو كان ممثل مبتدئ وما حدش يعرفه، وبحسب دراسة تم نشرها في مجلة “ذا رويال سويستي THE ROYAL SOCIETY” سنة 2013، لاقينا إن مساهمة الفرد في التسقيف مع الجمهور الموجود حوله في المسرح غالبًا بتكون مالهاش علاقة أصلًا برأيه الشخصي، هي ظاهرة تسقيف إجباري تكون مرتبط بالسلوك الجماعي، يعني بالعربي كدا إحنا بنحب نهيص في الهيصة، والحقيقة إن دا لو حصل مش هيكون نابع من انعدام شخصيتك ولا حاجة، بس هو الإنسان عمومًا سيكولوجيا بيحب يشعر بالانتماء للمجتمع اللي هو بيعتبر جزء منه، وللسبب ده السلوك الجماعي بيأثر عليه.
إمتى بدأنا نستخدم التسقيف في المسرح؟
عشان نعرف إمتى بالظبط بدأنا نستخدم التسقيف عشان نعبر عن التشجيع أو الموافقة، لازم نرجع بالزمن لورا شوية لحد ما نوصل للقرن السادس قبل الميلاد، في الفترة دي وبالتحديد في أثينا، مُشرع الدستور “كليسـ ثينيس – Kleisthénes” كان عايز يبتكر طريقة يخلي الناس تتبعها عشان يعبروا عن موافقة زعيمهم من غير ما يكون الزعيم محتاج إنه يقابل كل فرد من الجمهور بشكل شخصي ويسلم عليه ويتكلم معاه لتعبير الشخص له عن تقديره لمجهوداته، وبعدما فكر في أكثر من طريقة عن أبداء المشاعر، وجد أسهل حاجة ممكن الناس تعملها كلها هي التسقيف، وأعتمد وقتها أن التسقيف هو الصوت الموحد للتعبير عن الإعجاب والتشجيع والموافقة، وبعد مئات السنين، وبالتحديد في القرن الرابع قبل الميلاد بدأت المسارح كمان تتبنى نفس الفكرة، وعشان يعلموا الجمهور إمتى يبدأوا يقفوا وإمتى ما ينفعش يسقّفوا، كان فيه أشخاص يتم تعينها في المسرح وظيفتها إنها تسقّف أو تتأثر وتعيط أو تضحك بصوت عالي، عشان غريزة الانتماء عند باقي الجمهور تشتغل ويبدأوا هما كمان يقفوا أو يتأثروا أو يضحكوا.
تأثير التكنولوجيا
مع الثورة التكنولوجية الموجودة حاليًا نادرًا لما تلاقي حد بيحضر مسرحية في مسرح مثلاً أو حتى اجتماع أو عرض تقديمي كل حاجه تقريبًا أصبحت أونلاين، وبعد ذلك التطور الشديد في طريقة العرض كان ضروري للتسقيف إنه كمان يتطور، وهنا يأتي دور الـ”التفاعل على السوشيال ميديا react”.
الخبير والمطور الإلكتروني “راميد شاولا Rameet Chawla”، عمل تجربة بسيطة نقدر من خلالها نستنتج سيكولوجية وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام، وما فعله راميت عند رؤيته لأي صوره تظهر عنده في الـnewsfeed يعملها لايك، وكانت النتيجة أن عدد متابعين راميت بعد اللي عمله كان بيزيد بمعدل 30 متابع يوميًا، بل أن فيه ناس بدأت تدخل تكلمه بشكل شخصي وممكن الكلام يوصل بينهم لدرجة أنهم يعزموه أصلاً على حفلة أو خروجه.
والكلام ده يوضح قد إيه التفاعل مع الكلام أو الصور اللي الناس بتنشرها بيشجعهم وبيديهم ثقة في نفسهم وفي أرائهم، وهو ما وضحناه على التسقيف لكن المرة دي في العالم الافتراضي مش الواقعي، لكن ضروري ننبه ان الـreacts اللي تعتبر النسخة الحديثة من التسقيف هي أحد أهم أسباب إدمان السوشيال ميديا؛ لأن الإنسان بطبيعة الحال يحب يتكلم عن نفسه وبيحب يحس بتشجيع الناس اللي حواليه، وطبعًا السوشيال ميديا بتوفر بيئة خصبة للأمر ده.
ليه التسقيف صوته مش عَذب زي الغناء؟
لو تفتكر إننا في أول الحلقة اتكلمنا عن إن التسقيف يعتبر أكثر صوت مزعج ممكن الإنسان إنه يعمله، وكنا وقتها غضينا النظر عن الأصوات اللي ممكن تخرج من الحنجرة زي الصريخ مثلاً، الصريخ أيضًا صوت مزعج جدًا ويسبب حالة توتر شديدة للناس الموجودين في المكان، لكن على الجانب الآخر الصريخ هو هو الغُنا لكن الغُنا بيكون فيه تحكم في الصوت، يعني مثلًا لو شوفت مغني أوبرا هتلاقي إنه فعليا بيصرخ لكنه متحكم في طبقات صريخه وبناءًا عليه مطلع الصوت بشكل عَذب تُطرب له الآذان، لكن التسقيف بقى ما فيهوش الخاصية دي، وده لانه عمرك ما هتقدر تتحكم في صوت التسقيفة، لأن التسقيف في كل مرة بتخبط إيديك الاتنين في بعض بيختلف تردد الصوت وبالتالي بتختلف النغمة، وعلشان كده التسقيف دلوقتى أو بعد ألف سنة هيكون صوت مزعج طول الوقت.