بالرغم من محاولات كولومبيا لنسيان بابلو اسكوبار وبلاويه على مدار 30 سنة، إلا إن إرثه من المصائب مازال بيلاحقهم لحد النهاردة، والقصة مش قصة مخدرات ولا ترويع وإغتيالات، اسكوبار ساب قنبلة سرية أخيرة قبل وفاته في أنتظار إنفجارها.
بابلو اسكوبار
بابلو اسكوبار هو واحد من أشهر أباطرة المخدرات على مر التاريخ، بنى امبراطورية مهولة على تجارة المخدرات ودب الرعب في قلوب الجميع، مدنيين أو حتى حكوميين ورجال شرطة، مؤسس منظمة “ميديلين Medellín” الإجرامية كان مسئول عن عمليات اختطاف وإغتيالات وتفجيرات عشوائية نالت من أرواح المئات، وبالرغم من وفاته في أوائل التسعينيات أثناء مطاردة الشرطة له؛ إلا انه ساب وراه قنبلة بيئية موقوتة في انتظار انفجارها على الأراضي الكولومبية.
اسكوبار وصل في التمانينيات انه أصبح من أغنى أغنياء العالم نتيجة تجارة المخدرات، وزي كتير من فاحشي الثراء على مر العصور كان عنده ولع بالتباهي بغناه وصرف أمواله بطرق مجنونة، قاعدته الرئيسية وأحد أهم ممتلكاته كانت مزرعة “هاسيندا نابوليز Hacienda Nápoles” على بعد 150 كم شرق مدينة “ميديلين”، هاسيندا دِه كانت حاجة كده أشبه بالعزبة بتوصل مساحتها لحوالي 20 كم مربع، واسكوبار كان بيدير معظم عملياته منها وبيعقد اجتماعاته فيها ناهيك عن حفلاته الصاخبة على أرضها، وفي يوم كبرت في دماغه وقالك المكان ده ناقصه حديقة حيوان صغيرة كده، وقام جايب فيها كام زرافة على كام فيل على نعام وغيره، لكن جوهر مجموعته وأغربها على الإطلاق، كانت الحيوان الأحب إليه كما أُشيع عنه فرس النهر، اسكوبار بعت جاب 4 أفراد من فرس النهر عبارة عن 3 إناث وذكر وحيد وهربهم داخل كولومبيا عشان يكمل بيهم مجموعته الخاصة ومن هنا “اتولدت” المشكلة.
خطأ صغير عواقبه كبيرة
بعد مقتل اسكوبار في عام 1993 صادرت الحكومة ممتلكاته وعلى رأسها “هاسيندا نابوليز”، وبالنسبة للحيوانات اللي كانت موجودة هناك خدوها ووزعوها على حدائق وملاجئ الحيوان بأرجاء البلاد باستثناء فرس النهر، سابوا المجموعة زي ما هي مكانهم بحجة ان نقلها هيبقى صعب وهيكلفهم كتير ومافيش مكان أصلاً راضي ياخدهم، وغالباً فكروا إنهم كده كده شوية وهيموتوا، خصوصاً إنهم بُعاد عن موطنهم الأصلي بألاف الكيلومترات.
والحقيقة إن الكلام ده صحيح أو على الاقل الجزء الخاص بـبُعدهم عن موطنهم، فرس النهر بينتمي للسفانا والمناطق العشبية في جنوب الصحراء الكبرى بالقارة الافريقية، وبخلاف الموقع ده مافيش مكان على مستوى العالم كله بيعيش فيه فرس النهر بشكل طبيعي، وأهم حاجة عندهم في بيئتهم، إن يبقى فيه مصدر للمياه بالقرب منهم ويبقى فيه عُشب يتغذوا عليه، طيب ماشي كل ده كويس فين بقى المشكلة ولا القنبلة اللي بنقول عليها؟
ما هو لما اسكوبار خدهم من هنا ووداهم كولومبيا على بُعد يصل لـ 10 ألاف كم من بيئتهم الأصلية؛ الأمور اتغيرت.
جنة فرس النهر
بحسب “ديفيد اشفيري لوبيز David Echeverri Lopez” الباحث في وكالة البيئة الاقليمية “كورناري Cornare”، فالمنطقة اللي نزلوا فيهم بكولومبيا لقوا فيها كل ما تشتهي الأنفس بالنسبالهم؛ مياه وبحيرات بالقرب منهم وعشب ومطر على مدار السنة تقريباً، لأ وايه مافيش أي حيوانات مفترسة عليهم، يعني ولا كأنهم عايشين في جنة فرس النهر في الارض، ومن هنا بدأت أعدادهم تكبر.
حالياً تٌقدر أعداد فرس النهر المنحدرة من الـ 4 دوول برقم يتراوح من 80 لـ 120 فرد، عشان يكونوا أكبر مجموعة لأفراد فرس النهر خارج موطنهم الأصلي بافريقيا، وأكبر الحيوانات الضخمة اللي غزت منطقة غريبة عنها.
والمثير في الأمر إن المجموعة دِه من حيوانات فرس النهر مش ملمومين في حتة واحدة دوول انتشروا في المنطقة حوالين “هاسيندا” أثناء بحثهم عن الطعام، ومنهم اللي وصل لحوض نهر “ماجدالينا Magdalena” واستقر هناك، وده النهر الرئيسي في كولومبيا وبيمتد تقريباً عبر كامل البلاد، تقدر تقول إنهم فرضوا سيطرتهم على المنطقة وأصبحوا بيمثلوا خطر حقيقي على القرى المحيطة بيهم، بل انه بالفعل حصلت حوادث لاعتداءات من فرس النهر على المواطنين خصوصاً من المزارعين بالمناطق المحيطة، ولو شايف إن الوضع ده خطر فأحب أقولك إن ده البداية مش أكتر، وإن الموضوع ممكن يقلب بفيلم رعب، وما تنساش اننا بنتكلم بنتكلم عن الحيوان الأخطر على الإطلاق في افريقيا، ولك أن تتخيل ان مجموع ضحاياه سنوياً من البشر بيتخطى مجموع باقي الحيوانات المفترسة مجتمعة.
التكاثر عند فرس النهر
فرس النهر في البرية ممكن يعيش لحد 40 سنة، وغالباً في ظل النعيم اللي هو عايش فيه بكولومبيا سهل يعيش العمر ده كله، وبيوصل فرس النهر لمرحلة البلوغ الجنسي في عمر 6 لـ 7 سنين، وبيتكاثروا بمعدل فرد في السنة الواحدة يعني كل انثى على الأراضي الكولومبية ممكن تجيب 30 عيل على مدار عمرها.
بل إن فيه دراسة بتقول إن العوامل البيئية المساعدة لفرس النهر في كولومبيا ممكن تسرع من سن البلوغ عندهم، ويبدأوا يتكاثروا في عمر مبكر عن كده كمان، وده ماكنش أخطر نتائج الدراسة اللي تم نشرها في مجلة “علم الحفظ الحيوي” في يناير من عام 2021،
الدراسة أكدت ان الوضع لو استمر على ما هو عليه، هيوصل تعداد فرس النهر في كولومبيا لأكتر من 1400 فرد بحلول 2040، ووقتها هيكون من المستحيل السيطرة على العدد ده، سواء في مدى تأثيره على البيئة أو في استمرار انفجار التعداد لأبعد من كده كمان، بل إن الدراسة اقترحت ان السيناريو المثالي لوقف حالة الانفجار العددي هتطلب قتل أو إخصاء 30 فرد منهم بصورة سنوية.
حادثة عجيبة غيرت مجريات الأمور
طيب ليه ما يخلصوش عليهم أو على أقل تقدير يجمعوهم في حتة واحدة وخلاص؟
الحكومة هناك شايلة ايديها من الموضوع، ومش عايزة تكلف روحها والخيار الأسهل بالنسبالها هو اصطيادها وقتلها وخلاص، وبالفعل في واقعة حصلت في عام 2009 تم الإبلاغ فيها عن 3 أفراد من فرس النهر بيروعوا المزارعين في المنطقة المحيطة بهاسيندا، ذكر وانثى وعجلهم الصغير، وقتها قوات الشرطة المحلية ماقدرتش تتعامل مع الموقف فقررت السلطات تكليف الجيش بالمهمة، وكانت الأوامر هي القتل على الفور، وبالفعل الجنود قتلوا الذكر واتصوروا مع “الصيدة”، ومع نشر الصورة قامت حملة ضخمة من منظمات حقوق الحيوان في كولومبيا للضغط على الحكومة لحماية فرس النهر من بطش الجيش، ووصل الامر لصدور حكم قضائي بتعليق البحث عن الأنثى وعجلها الصغير، وأصبح قتل فرس النهر أمر غير قانوني في البلاد.
ومش بس منظمات حقوق الحيوان، حتى كتير من العامة في المنطقة بيشوفوا ان مافيش ضرر من وجود فرس النهر، بل بيشوفوا إنه أصبح عامل جذب للسياحة مع تحويل هايسندا لمدينة ملاهي بيزورها الناس، والمحلات بقت تبيع تيشيرتات عليها صور فرس النهر وميداليات على شكلهم وغيره، إلا إن العلماء شايفين ان الموضوع عبارة عن قنبلة موقوتة بتهدد كولومبيا، ولو خرجت الامور من ايديهم وماقدروش يمنعوا زيادة أعدادهم من دلوقت هتبقى مصيبة على الناس وكمان على البيئة نفسها.
خطر على البيئة والحيوانات
العلماء بيشوفوا ان فرس النهر ممكن يأثر على النظام البيئي المحلي بأكتر من طريقة، منها إزاحة الأنواع المحلية المعرضة بالفعل لخطر الانقراض زي خروف البحر أو الـ manate، واللي طبعاً شايف حيوانات مرعبة جاية تغزو منطقته، بالاضافة إن أي حيوان بيتغذى على العشب واللي هو طعام فرس النهر، هيتأثر من زيادة أعدادهم في المنطقة، وده بخلاف إن فيه دراسة تم اجرائها عام 2020 على البحيرات المأهولة بفرس النهر، كشفت عن إن العناصر الغذائية الموجودة في فضلات النوعية دِه من الحيوانات بتغذي تكاثر البكتيريا والطحالب، واللي بدوره بيقلل من محتوى الاكسجين في المياه، وبيأثر على الاسماك وأي حيوانات مائية في العموم.
طيب والحل؟
من أول ما المحكمة طلعت قرار حظر قتل فرس النهر في كولومبيا، وبدأ العلماء والباحثين يشتغلوا على فكرة الاخصاء، في مقدمتهم الراجل بتاع وكالة البيئة الاقليمية “ديفيد اشفيري لوبيز David Echeverri Lopez”، واللي قاد حملة لإخصاء فرس النهر في كولومبيا بداية من 2013، بس زي كتير من الافكار على الورق موضوع وفي الواقع موضوع تاني خالص.
الفرق اللي نزلت عشان تنفذ العملية، عانت في تتبع أفراد فرس النهر عبر الريف الكولومبي ما بين بحيرات وأحراش ومزارع، ناهيك عن تخديره وسحبه واجراء العملية نفسها، كل ده اصلا غير إن ميزانية الوكالة على الأد ومافيش فلوس، وفي النهاية كل ده أدى انهم ماعرفوش يعملوا العملية دِه غير لفرد واحد سنوياً من مجموعات فرس النهر، يعني أقل من المطلوب بـ 29 فرد.
لكن في شهر أكتوبر من عام 2021، حصلت انفراجة في الازمة بعد ما أعلنت وكالة البيئة الاقليمية “كورناري Cornare” عن تجربتها لطريقة جديدة لتحديد النسل بين مجموعات فرس النهر، وده عن طريق استخدام العقار الامريكي GonaCon لمنع الحمل، واللي بيحصل انهم بيضربوا افراد فرس النهر عن بُعد بسهام محملة بالعقار، وبالفعل أجروا القصة دِه على 24 فرد وفي انتظار النتائج، والجدير بالذكر إن العقار ده تم استخدامه بالفعل على الخيول البرية في الولايات المتحدة الامريكية وعلى الكنغر في استراليا والماشية البرية في هونج كونج، وبتشوف الوكالة إن الطريقة دِه هتبقى أوفر بكتير وكذلك أسرع في عملية السيطرة على تعداد فرس النهر، ومن الممكن تكون طوق النجاة لتفادي البلاد كارثة مفجعة.
ومازالت كولومبيا في سباق مع الزمن لإبطال عمل القنبلة البيئية قبل انفجارها ، وما يحصلش انه بعد ما بابلو اسكوبار غزا كولومبيا بالمخدرات يغزوها كمان بفرس النهر.