كلنا عارفين إن الهواء الجوي بيتكون من خليط من الغازات، أكسجين ونيتروجين وثاني أكسيد الكربون وأرجون وغيرهم، لكن بالرغم من وجود الغازات دي كلها إلا إننا بنتنفس الأكسجين، لكن ياترى إشمعنا الغاز ده بالذات؟ يعني ليه مثلاً مانتنفسش غاز تاني زي النيتروجين مثلاً ، وخصوصًا إن النيتروجين لوحده بيمثل حوالي 78% من نسبة الهواء الجوي، في حين إن الأكسجين بيمثل 21% بس، يعني كمية النيتروجين في الجو تقريبًا أكبر بحوالي 4 أضعاف، إيه بقى اللي بيميز غاز الأكسجين دونًا عن غيره من الغازات، وإزاي الرئة بتقدر تميز الغاز دا وتستخلصه هو بعينه من وسط الغازات الكتير الموجودة حوالينا طول الوقت.
حادث إختناق
في نوفمبر من عام 2005 في مدينة ديلاوير سيتي Delaware City في الولايات المُتحدة الأمريكية، وفي أحد محطات الوقود التابعة لشركة Valero Energy Corporation، كان في مجموعة من العمال بيحاولوا يصلحوا كوع توصيل، وقبل مايبدأوا المهام بتاعتهم جابوا شريط لاصق لونه أحمر ، ولفوه حوالين البير علشان يعرَّفوا باقي العمال إن دي منطقة عمل ومحدش يقرب منها، لكنهم لسوء الحظ اكتشفوا إن فيه بكرة شريط تانية واقعة بالغلط جوا البير اللي المفروض يوصلوا الكوع فيه، والبكرة دي هتسبب عُطل في الأجزاء الداخلية بتاعته، وحاولوا أكتر من مرة إنهم يخرجُوا البَكرة دي وهم فوق لكنهم فشلوا، وهنا قرر واحد منهم إنه ينزل في البير بنفسه ويجيب البكرة ويطلع، لكنه للأسف مكنش يعرف إن البير موجود فيه كمية كبيرة من غاز النيتروجين.
والمؤسف أكتر إن النيتروجين غاز مالوش لون ولا ريحة، وعلشان كده العامل بمجرد مانزل اتخنق وفقد وعيه تمامًا وهو مش فاهم إيه اللي بيحصل ووقع في أرضية البير، ولما زميله شاف اللي حصل، جاب سلم وحطه جوا البير ونزل علشان ينقذه ويطلعه، لكنه هو كمان اتخنق واغمى عليه، وبالرغم من إنهم فِضلوا في البير حوالي 10 دقائق فقط، وبعد كده فريق من الإنقاذ طلعهم، إلا إنهم للأسف ماتوا بسبب الإختناق، وكل المحاولات الطبية لإنقاذهم باءت بالفشل.
إكسير الحياة بدون مُنازع
الإنسان حرفيًا مُمكن يعيش لعدة أيام من غير مياه ولأسابيع كمان بدون أكل، لكن إنه يمتنع عن الأكسجين ولو لدقايق معدودة، فـ ده بدون شك هيؤدي لوفاته، حالات الإختناق اللي زي دي كتيرة جدًا وبتحصل للأشخاص لما بيدخلوا لمكان نسبة الأكسجين فيه قليلة، أو حتى لو حصل تسريب لأي غاز، بس برده هو ليه ده بيحصل، ليه الأكسجين غاز مُنعش وصِحي بالنسبالنا، لكن أي غاز تاني يخنقنا ويموتنا، والأهم من كده إحنا ليه أصلا بنتنفس، وليه عملية التنفس ضرورية جدًا علشان نعيش؟، الإجابة على الموضوع ده بتكمُن في جملة واحدة وهي (الحصول على الطاقة)، الإنسان علشان يقوم بأي وظيفة حتى لو كانت بسيطة، ربنا سبحانه وتعالى خلقه بشكل يخليه محتاج لكمية من الطاقة علشان يقوم بالوظيفة دي، ومن غير الطاقة المنظومة الحيوية اللي في جسمنا هتنهار بالكامل، وعلشان كده من المعروف إننا بناخد طاقتنا من خلال الطعام أو الأكل، بيتم هضم الأطعمة اللي بناكلها اللي زي الكربوهيدرات والبروتينات وغيرهم، وبيتحولوا إلى جزيئات من السكريات والأحماض الأمينية يتم تمريرها للدم بسهولة، والدم بياخد السكريات أو الجلوكوز تحديدًا وبيوزعه على جميع الخلايا.
إزاي الأكسجين بيشتغل ؟
لما بنتنفس من خلال الفم أو الأنف، الهواء بيوصل للقصبة الهوائية وبفضل يتدرج في التفرعات بتاعتها من قُصيبات وشُعب لحد ما يوصل لأصغر جزء فيها وهي الحُويصلات الهوائية، ودي بتكون أكياس هوائية بالغة في الصِغر، وعددهم في الرئة الواحدة بيتعدى الـ 600 مليون حُويصلة، الحويصلات الهوائية بقى بتبقى متغطية بشعيرات دموية صغيرة، والشعيرات دي بتكون مُتصلة بالأوردة والشرايين بتاعت القلب بشكل مباشر، وعلشان كده بمجرد ما الهوا بيوصل لها، بتلتقط منه غاز الأكسجين وتبعته للقلب، وبعدها بيبدأ القلب يضخ الدم وهو مُحمل بالأكسجين لكل خلايا الجسم، وهنا بقى بيبدأ الأكسجين يقوم بدوه.
زي ماقولنا، الخلية بيبقى فيها الميتوكوندريا وجواها الجلوكوز بتاعها، اللي بيحصل بقى هو إن الأكسجين بيدخل الميتوكوندريا ويتفاعل مع الجلوكوز، واللي رمزه (C₆H₁₂O₆) ، وبيسحب منه إلكترونات وبيكسر الروابط بتاعته، والعلمية دي بتحصل في سلسلة تفاعلات طويلة جدًا ومعقدة، لكن في النهاية بينتج من التفاعلات دي بخار مياه وغاز ثاني أكسيدالكربون وطاقة، ثاني أكسيد الكربون والمياه بيرجعوا للقلب وبيضخهم للرئة مرة تانية، وبعدين يخرجوا من الجسم في عملية الزفير، أما بقى الطاقة اللي بتنبعث من التفاعل، دي بتتخزن في مُركب كيميائي موجود في الخلية إسمه “أدينوزين ثلاثي الفوسفات أو الـ ATP Adenosine Triphosphate”، والمُركب ده أشبه بالظبط بالبطارية أو المَخزن اللي بيحتفظ بالطاقة، وده بيخلي كل خلية فيها كمية مهولة من البطاريات، تقدر تستغلهم في أي وقت علشان تقوم بالوظائف بتاعتها، ولما البطارية أو الـ (ِATP) بيخرُج منها الطاقة بتتحول لـ (ADP) أو الأدينوزين ثنائي الفوسفات، ودي بتكون عبارة عن بطارية فاضية، ولكنها مُتجددة وقابلة للشحن، ولما الأكسجين مع النفس يكسر جزيئات جلوكوز جديدة، بتبدأ الطاقة تتخزن في البطارية دي وتتحول لبطارية مليانة أو (ATP) مرة تانية، والموضوع ده بيتكرر مرات عديدة جدًا وفي كل مرة بيمد الجسم بمخزون جديد من الطاقة لحد ما نستهلكها ونرجع نملاها من الأول.